الخميس 18 رمضان 1445 ﻫ - 28 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

رهن اقتصاد بشخص مسألة فيها نظر

بإعلان رئيس مجلس النواب رسميًّا في 1 تشرين الأول 2020، بعد يومين من استقباله في عين التينة قائد قوات اليونيفيل في لبنان ستيفانو ديل كول والمنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، في مؤتمر صحافي حضرته وزيرة الدفاع زينة عكر وقائد الجيش العماد جوزف عون وديل كول وممثلة يان كوبيتش في لبنان نجاة رشدي، التوصل إلى “اتفاق إطار” لمفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لترسيم الحدود “البرية والبحرية” بين البلدين برعاية أممية ووساطة أميركية، وانتظار زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفد شينكر الذي تسلم مهمة التفاوض من سلفه دايفد ساترفيلد في أيلول 2019، بيروت لتدشين المفاوضات لوجستيًّا وإطلاقها… كان دور بري في الملف قد انتهى فعليًّا بعدَ عقد من التفاوض مع الأمم المتحدة والأميركيين وانتقلت المسؤولية فيه إلى رئيسي الجمهورية والوزراء والجيش اللبناني.

المفاوضات التي انطلقت فعلًا في 14 تشرين الأول 2020 بعد يومين من وصول شينكر في 12 منه، أنجزت حتى اليوم جولات خمسًا غير حاسمة، عُقدت الثلاث الأُولُ منها في تشرين الأول 2020 (في 14 و28 و29 منه على التوالي)، تلتها جولة رابعة في 11 تشرين الثاني 2020، ثم خامسة بعد توقف دام أشهرًا نتيجة تغير في الموقف اللبناني سبّب توترًا مع الأميركيين (انظره في الأسفل) في 4 أيار 2021، وكانت جميعها في مقر قيادة “يونيفيل” في الناقورة بوساطة أميركية يقودها وفد برئاسة جون ديروشر.

مهّد بري لهذا الإعلان بالقول: “إثر تأكيد وجود غاز ونفط في حدودنا البحرية، طالبتُ منذ عام 2010 الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بترسيم الحدود البحرية، ومع تردد الأمم المتحدة وتمنعها وطلبها مساعدة الولايات المتحدة، طلبت هذه المساعدة شخصيًّا، فعاد الملف بعد التوقف طويلًا إلى طاولة البحث إثر زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لبنان ولقائنا”. ثم تلا بري الإطار العملي للاتفاق الذي وضعت الإدارة الأميركية نسخته الأخيرة المعدلة يوم 22 أيلول 2020 وكانت النقاط الأهم: الاستناد إلى آلية تفاهمات نيسان 1996 الثلاثية وقرار مجلس الأمن 1701 اللذين حققا تقدمًا في مجال الخط الأزرق، وإيداع نسخة عن اتفاق الترسيم لدى التوصل إليه لدى الأمم المتحدة عملًا بالقانون الدولي، وأن يتم تنفيذه على الحدود البرية والبحرية معًا. وفي سياق قوله ردًّا على سؤال: «في حال نجح الأمر فسنخرج من أزمتنا الاقتصاديه ونسدد ديننا، لوجود ثروة نفطية في البلوكين 8 و9»، تغاضى بري عن مسألة أن البلوك رقم 9 خلافيّ مع إسرائيل، الذي تطالب به ضمن حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة، معتمدة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المبرمة بين قبرص ولبنان عام 2007.

بومبيو، الذي رحب «بقرار حكومتَي إسرائيل ولبنان»، وأشار الى أن «هذه الاتفاقية هي نتيجة ثلاث سنوات من المشاركة الدبلوماسية المكثفة»، حصر الاتفاق بالجانب البحري من الحدود، ودعا الى مشاورات “منفصلة” بشأن النقاط العالقة في الخط الأزرق، أما مساعده ديفيد شنكر، فأكد في حديث إلى محطة تلفزة لبنانية شهيرة أنه “لن يتم التفاوض في ملفات الترسيم نهائيًّا مع حزب الله، الذي قد يلجأ إلى تخريب الاتفاق”.

الجولة الرابعة ما قبل الأخيرة من المفاوضات ترافقت مع تطور دراماتيكي بعد إعلان وزارة الخزانة الأميركية في 6 تشرين الثاني 2020 (قبل خمسة أيام من الجولة الرابعة وبعد شهر ونيف من تسلم رئيس الجمهورية ملف الترسيم) عقوبات على النائب جبران باسيل، تمثل بلجوء رئيس الجمهورية (الذي تعطيه المادة 52 من الدستور صلاحية المفاوضات والاتفاقيات الدولية) وفريقه إلى الضغط داخليًّا على كل من وزير الأشغال ميشال نجار ووزيرة الدفاع زينة عكر ورئيس الحكومة حسان دياب لتعديل المرسوم 6433 (يحدد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وفق الخريطة البحرية الدولية الصادرة عن الأدميرالية البريطانية رقم 183)، لتوسيع المنطقة البحرية التي تمثل المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان من الخط 23 إلى الخط 29 وإضافة 1430 كلم مربعًا من المياه إلى حصة لبنان المنصوص عليها في اتفاق الإطار مع الأميركيين، معتبرًا أن الخط 23 الذي أُقر بموجب مرسوم صدر في 1 تشرين الأول 2011 كان خطًا يجب تصحيحه. الوزراء ورئيسهم وقّعوا بعد تدخل وفد من قيادة الجيش وتقديمه معطيات حول النقطة 29 وأن من وضعها بدايةً هما عضوا الوفد المفاوض الحاليان العقيد مازن بصبوص وخبير القانون الدولي لترسيم الحدود نجيب مسيحي، ليتحول المرسوم المعدل بعدها إلى قصر بعبدا من دون أن يوقعه الرئيس عون، انتظارًا للتفاوض (وربما “المقايضة”) مع الأميركيين، الذي أوفدوا كما كان متوقعًا وكيل وزارة الخارجية الأميركية، ديفيد هيل، في 12 نيسان 2021 مع احتدام النقاش حول النقطة 29 ورفضها من إسرائيل.

وكادت الأمور تصل إلى أزمة كبيرة بين رئاسة الجمهورية والوفد الأميركي، الذين اعتبروا أن الوفد المفاوض تمرّد بضغط عاملين على الاتفاق الذي كان هيل نفسه أحد المشاركين الأساسيين في وضعه: “حزب الله” وربط ساكن بعبدا بين ملف الترسيم ورفع العقوبات عن الصهر ومعركته الرئاسية، فقررت الإدارة الجديدة كسابقتها التشدد وإبقاء الملف بعهدة ديروشر، العامل تحت “إشراف” جيفري فيلتمان.

ومع وضع رئيس الجمهورية ملف تعديل المرسوم 6433 في الدرج لمقايضته مع الأميركيين لمصلحة “صهر الجمهورية” ألا يكون قد رهن مصلحة الوطن الاقتصادية بشخص؟ فهل يتحرك الملف من جديد مع عودة ديروشر الى بيروت وزيارته بعبدا، أم أن “إنجازات” أخرى مشرّفة لـ”العهد القوي” ستتبع سابقاتها، كـ: عزل لبنان، وتدمير اقتصاده، وإفقار شعبه، وتسليط الدول عليه، وإحراق مرفئه… و.. و.. و..؟؟؟

إنه سؤال تقريري وفق علم البيان، يُطرح ليقرر حقيقة، وهذه الحقيقة نراها جلية، وهي أن لبنان سائر نحو الاندثار مع ما سموه “العهد القوي”، فلا نامت أعين الجبناء.