الثلاثاء 14 شوال 1445 ﻫ - 23 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

لعل الذكرى تنفع

إلى سعد الحريري،

وضعَتْك فجيعة لبنان باغتيال والدك في معترك الحياة السياسية فخُضْتَها. تشاركْتَ سياسةَ البلد مع دهاقنة حرب أهلية فزدتم الناس تفرقة، وجعلتموهم شيعًا وأحزابًا كل حزب بما لديهم فرحون. اتفقتم على اقتسام المغانم، واتخاذ القانون –كما يقول محمود درويش- “وعاء لرغبة الحاكم، أو بدلة يفصلها على قياسه”، وبقيتم على ذلك سادرين مستمتعين، حتى كان أول غدر شركائك حين شعروا بالتنغيص من محكمة أرادت كشْفَ حقيقةِ جريمةِ قتلِ رئيسِ وزراء خالوا أنفسهم طمسوها، فتجرّأ وزراءُ أحد عشر من القومِ البُهْتِ في منزل كبيرهم الذي علمهم السحر على حرمة الرئاسة الثالثة فأخرجوك بعد 14 شهرًا من ولايتك، واللوم ليس عليهم يا شيخ، فقد سلّمتَهم بنفسك مفتاح فعلتهم الآثمة… “الثلث” اللعين، الضامن لفجورهم وعربدتهم، فكانت بدايةَ الوَهَن في شعبيتك، التي اعترفْتَ محقًّا في بعض مواقفك بخسارة بعضها، فلقد شعر الناس معذورين وايم الله بالإهانة البالغة نتيجة معاينتهم “استباحة” منصب الرئاسة الثالثة و”الحُرم” المضروب على الرئاستين الأولى والثانية، ثم بَعُدَتِ الشُّقَّةُ مع شعبك حين ساهمْتَ بتنصيب رئيس ذبحك بغير سكين في الوزارة الأولى وهو القطب البارز في محورٍ اتُّهم باغتيال والدك، فلم يعد تشبيهك نفسك بـ”أم الصبي” وادعاؤك “حماية لبنان والنظام والدولة واللبنانيين” التي سقتها في 20 تشرين الأول 2016، لتقنع المكتوين بنار التسلط، بل ازداد وجدانهم يقينًا بأن وجود “الجنرال” الذي سلّطه على رقابهم اختيارُك الموغل في خطئه في أي منصب قيادي ما هو إلا بداية لأزمة سياسية تحل بالبلاد والعباد لا محالة، طال الزمن أو قصر، وهو من لم تشغل مقولاتك السالفة ولو حيزًا ضيقًا في ضميره خلال إشغاره وحلفاءه غير عابئين كرسيَّ رئاسة الجمهورية عامين ونصف، فهل حداكَ الأملُ يا شيخ بأن تُصْلِحَ حالَ من شارف الحادية والثمانين وبلغ من الكبر عتيًّا عبر إغرائه بكرسي أحلامه التي أهلك البلاد والعباد لأجلها في تسعينيات القرن الماضي؟ هيهات هيهات، فلن يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ أفنصدّقُ أن لا يشيب على شيء من شبّ عليه؟

سارعت إثر 13 يومًا من “انتفاضة 17 تشرين” 2019 (في 29 منه) إلى التفريط بالرئاسة الثالثة، ثم كُلفتَ بعد استقالة خلفك حسان دياب لا لتشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين يكشفون فساد مافياتهم داخل الوزارات، أو حكومة تقوم بإصلاحات تضع معظمهم في السجون، بل أرادوا بتكليفك، وأنتَ خير من يعلم هذا، جعْلَك واجهة لاستدرار مساعدات المجتمع العربي الدولي، فرضيتَ لغاية في نفسك الله أعلم بغورها، فلما لم يكن لهم ما أرادوا بعد كرِّ الأيام والشهور، وخصوصًا من الدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي لطالما جوزيت بالإحسان إساءة، وبالجميل نكرانًا، وضعوك طوال خمسة أشهر على أرجوحة ترددَتْ بك 18 مرة إلى قصر بعبدا بعدما يئس ساكنه من الدور الذي أراده بتكليفك فجمح نحو المطالبة العنيدة بـ “الثلث المعطل”، إن في حكومة الـ 18 أو في حكومة الـ 24 وزيرًا التي بادر إلى طرحها رئيس مجلس النواب، عبر التمسك بتسمية الوزيرين المسيحيين، وفجأة… انتشرت عشية زيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان لبنان كالنار في الهشيم أخبار إعلامية مثبتة ونافية نيتك الاعتذار عن عدم التشكيل، وطرَحَها نائبك في تيار المستقبل مصطفى علوش كاحتمال قائم، ليتبين بعدها أن الاعتذار المزعوم لم يكن من ضمن مخططاتك، واليوم تعود مجدّدًا هذه الزوبعة إعلاميًّا بعد اجتماع دار الفتوى، مشفوعة بتصريح للنائب في كتلتك سامي فتفت بأن الاعتذار وارد، فيما لا أمارات واضحة على هذا في كلامك إثر الاجتماع أو في بيان المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، فإن كان قرارك الاعتذار فعلًا هذه المرة، وليتك تفعل، فلن تُعدم الطائفة أن تختار منها من يحافظ عليها ويكون ذا رُكَبٍ قوية تَثْبُت حتى النهاية في وجه زمرة أذاقت الناس الويل والثبور وعظائم الأمور، ولا تزال تعدهم بالمزيد.

يقول الله تعالى: “وذَكَّرْ فإنَّ الذكرى تنفعُ المؤمنين”، وها قد ذكَّرتُ وبلغت، اللهم فاشهد.