لا يزال استرخاء الطبقة الحاكمة إلى حد الشلل في مفاصل الدولة تفرضه هذه الطبقة على السلطة بقوة التعطيل والسلبطة، حتى بات المركب اللبناني يسير بغير هدى تتلاطمه أمواج الأزمة، بينما ربابنته تحوّلوا إلى قراصنة خلف دفة المسؤولية يمتهنون قطع كل حبل نجاة يلوح في الأفق.
هذا وغادر المبعوث الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل إلى بلاده بعدما أعيته حجج المعطلين وذرائع المعرقلين وقلّة حيلة المؤلّفين، أمهلهم حتى نهاية الشهر وسيضع خلال الساعات المقبلة الرئيس إيمانويل ماكرون في حصيلة زيارته اللبنانية، في وقت ستكون “الخيارات اللبنانية” ظهر اليوم أيضاً على طاولة التقاطعات الفرنسية – الأميركية خلال اجتماع ماكرون بوزير الخارجية مايك بومبيو عشية انطلاق الأخير في جولة شرق أوسطية.
وتشير التوقعات إلى أن يثير بومبيو مع ماكرون جدوى سياسة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على عدد من السياسيين اللبنانيين المتهمين بالفساد وتعطيل مشروع الإصلاح وقيام الدولة في لبنان.
وفي المقابل،لا تزال باريس تراهن على إمكانية إحداث كوة في جدار الأزمة اللبنانية من دون اللجوء إلى فرض عقوبات فرنسية وأوروبية، اذ ان تسعى على مستوى الملف الحكومي إلى استنفاد كل الخيارات المتاحة لحث المسؤولين اللبنانيين على التأليف، لكنها قد تلجأ في حال استمرار تسويف التحقيقات وتمييع المسؤوليات الرسمية وغير الرسمية في قضية انفجار المرفأ إلى “تدويل” التحقيق لضمان كشف المسؤولين بشفافية مطابقة لمعايير العدالة والمحاسبة الدولية.
إذاً العِقَد ما زالت على حالها، والخرق العملي الوحيد، ربما، كان اتصال كسر الجليد بين الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بمبادرة من دوريل، اعتقاداً منه انّ الاتصال سيفتح باب الحلحلة، فيما المشكلة ليست بالتواصل، إنما بالشروط التي يضعها باسيل.
وسيضع دوريل اليوم على طاولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلاصة جولته الاستطلاعية في بيروت، لكي يبني على الشيء مقتضاه، ويقرّر في ضوء هذا التقرير، الخطوة التالية المتصلة بالمؤتمر الذي كان ينوي عقده، او مجيئه إلى لبنان، في محاولة شخصية منه لكسر الجمود الحكومي. ولكن، لا مؤشرات إلى حماسة باريس للدعوة إلى مؤتمر لمساعدة لبنان، طالما انّ الحكومة لم تتألّف، فضلاً عن انّ العنوان الأساس لزيارة دوريل لم يكن العقوبات ولا غيرها، إنما تأكيد التلازم بين التأليف وبين انعقاد المؤتمر، من منطلق انّ إقرار اي مساعدات يستدعي وجود حكومة، كما انّ اعلان ماكرون عن المؤتمر حصل كخطوة في سياق اتفاق متكامل، وليس كخطوة معزولة في الزمان والمكان.