الثلاثاء 21 شوال 1445 ﻫ - 30 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

رفيق الحريري إنْ حكَى

أصعب ما في الكتابة عن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ان الذي يريد ان يكتب عنه، يجب ان يكون مُلِمًّا بمسيرته السياسية منذ دخوله الشأن العام في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وصولًا إلى 14 شباط 2005. ربع قرن من العمل الوطني والإنساني والسياسي، ويأتي مَن يتباهى بأنه قادرٌ على إيجازه ببضعة أسطر.

لم يمر في تاريخ لبنان المعاصِر أن حظيت شخصية سياسية باهتمام في حياتها، وبعد استشهادها، بمقدار ما حظي الرئيس رفيق الحريري من اهتمام. ليس قليلًا أنه بعد سبعة عشر عامًا على اغتياله، مازال محور الأخبار، ونادرًا ما “يُخلى مكانه” في الصفحات الاولى.

تُحبه أو تكرهه، لا بأس، فهذا قدَر مَن يعمل في السياسة. لكن ما لا يستطيع احدٌ تجاهله، هو ان هذا العصامي الذي بنى نفسه بنفسه، وصل أن يكون السياسي الرقم واحد في لبنان، وهذا ما اثار حنق الكثير من السياسيين اللبنانيين، وحتى رجال النظام السوري، وصولًا إلى إيران.

في وقتٍ كان ممنوعًا على لبنان أن تكون له سياسة خارجية، كان رفيق الحريري “وزارة خارجية” في حدِّ ذاته، يلتقي الملوك والرؤساء ويوجِّه إليهم دعوات لزيارة لبنان. يلتقي إمبراطور اليابان لمدة من الوقت تتجاوز المدة المحددة بروتوكوليًا للقاء معه، تمامًا كما يلتقي أي مواطن من أي منطقة لبنانية. لديه قدرة هائلة على التواصل، ولم يكن ” يقطع الخيط ” مع أحد.

الإغتيالات في لبنان شملت أكثر من رئيس جمهورية وأكثر من رئيس حكومة واكثر من مرجع سياسي او ديني، لكن هذه الإغتيالات بقيت ارتداداتها محدودة في الزمان، إلا اغتيال الرئيس الحريري: سبعة عشر عامًا على الإغتيال ومازال في دائرة الإهتمام.

كان هدف الخصوم في الداخل والخارج، وبينهم دولٌ، تخفيف اندفاعته أو “لجمِها”، اختارت سوريا اميل لحود رئيسًا للجمهورية، فقط ليقف في وجهِ الرئيس الحريري، والرئيس السابق مَدين للرئيس الشهيد بأنه لولاه لَما وصلَ إلى قصر بعبدا.

يتحدثون عن “هدر وفساد” في حكوماته، هل يتذكّرون مَن كان يشكِّل له حكوماته؟ ومَن كان “يقرر” البيانات الوزارية؟ يروي النائب والوزير السابق مروان حماده انه كان في إحدى الحكومات عضوًا في اللجنة الوزارية لأعداد البيان الوزاري، بعد إنجاز البيان حمله إلى الرئيس رفيق الحريري ليطلعه عليه، حين وصل الحريري إلى فقرة “تطبيق اتفاق الطائف” توقف عن القراءة ونظر بتعجب الى الوزير حماده قائلًا له: “بدَّك تقتلنا يا مروان”؟

كان يُفترض باتفاق الطائف أن يبدأ تطبيقه بعد توقيعه، أي في الأسبوع الأخير من تشرين الاول 1989، لكن التطبيق بدأ باغتيالات حيث اغتيل الرئيس الاول ما بعد الطائف الشهيد رينيه معوض، ” تَعَسْكَرَ” العماد ميشال عون سنةً في بعبدا بعد الطائف، إلى أن اقتُلِع عسكريًا على يد الجيش السوري، وبعد ذلك وضع السوري يده على لبنان بكل مفاصله، “يحل ويربط” من دون وازعٍ أو رادع.

وحين يكتب “المؤرخون الجدد” ومنتحِلو مهنة التأريخ، عن تلك الحقبة، فإنهم يطمسون أن السوري هو الذي كان يحكم. وهؤلاء المؤرخون الجدد كانوا من المحسوبين عليه، واليوم نقلوا البندقية من كتف إلى آخر.

رفيق الحريري الملياردير، مَن يصدِّق أنه دخل السياسة في لبنان من أجل مراكمة ثروته؟ ومَن يعتبر ان الحريري فشل في مكافحة الفساد، نسأله: بعد غياب الحريري، منذ 14 شباط 2005 إلى اليوم، ثلاثة رؤساء جمهورية تعاقبوا، وعدد مضاعف من الحكومات، فلماذا لم يحققوا ما كانوا يطالبون الرئيس رفيق الحريري ان يحققه؟

حين كان يأتي مَن يقول له: ” شيخ رفيق، صرت اكبر من البلد” فيعاجِله بالجواب التالي: “كَبْروا البلد فأبدو صغيرًا قياسًا عليه”. كانوا يُدرِكون انه يستحيل تحجيمه سياسيًا، فاستخدموا طنَّيْن من المتفجرات لتحجيمه والقضاء عليه، لكن المحاولة فشلت: رفيق الحريري ما زال موجودًا، وحجمه لم ينحسر، ولكن أين اصبحوا هُم؟ وما هي أحجامهم؟