عملياً لا شيء تغيّر، كل التهويل والعويل و”تهبيط الحيطان” لم يغيّر قيد أنملة في قاعدة “بتمشوا أو بمشي” التي انطلق منها ولا يزال يسير على خطاها مصطفى أديب. كل السقوف العالية والرؤوس الحامية باتت بين بينين لا ثالث لهما:
ولادة تشكيلة أديب وفق معايير المبادرة الفرنسية أو اعتذار أديب وانتهاء المبادرة. فما يمكن أن يحققه رئيس الجمهورية حققه وما يمكن أن تحققه قوى الثامن من آذار حققته، الأول حفظ ماء وجهه باستمهال شكلي لإجراء مشاورات “تُحلّل” توقيعه على مراسيم التأليف، و8 آذار رفعت الصوت وتوعدت وهددت فلم يكن لها أكثر من كسر قيد المهلة الزمنية والتحرر من عقدة الانصياع الفوري لتعليمات باريس. أما اليوم فانتهى الوقت وضاق هامش المناورة وأصبح الجميع أمام لحظة حقيقة لتحديد خياراته وحسم توجهاته “يا أبيض يا أسود”، وعلى هذا الأساس ستكون الكرة خلال الساعات المقبلة في مربّع قصر بعبدا ليقرر الرئيس ميشال عون ما إذا كان سيركلها في وجه الرئيس الفرنسي أو يمرّرها إلى ساحة النجمة لينأى بنفسه عن مواجهة الثنائي الشيعي مع الإليزيه!
إذاً، خياران متاحان أمام عون وعليه أن يقرر اليوم قبل الغد على أي ضفة سيقف، فتأييده مبدأ المداورة بما يشمل حقيبة المالية تختلف وجهات النظر في قراءته، إذ ثمة من يعتبر بين المتابعين أن في موقفه هذا مؤشراً على كونه لن يخاطر ويخلف وعده مع ماكرون بل سيمضي قدماً في موجبات المبادرة الفرنسية ويوقع مراسيم التأليف ليغسل يده من ذنب تعطيلها، أما بعض المصادر المواكبة الأخرى فلا تستبعد أن يكون تأييد المداورة مجرد “مناورة” ضمن إطار لعبة توزيع الأدوار بين الرئاسة الأولى وبين الثنائي الشيعي لكي لا ينقطع حبل التواصل مع الفرنسيين بالتزامن مع السعي إلى توسيع هوامش المبادرة الفرنسية وتحقيق أكبر قدر من المكتسبات في تطبيقاتها، فإذا حقق الثنائي مطلبه في إبقاء وزارة المالية تحت قبضته وسمّى هو وزراءه الشيعة في الحكومة عندها سينسحب ذلك حكماً على مختلف الأفرقاء ليعود القديم إلى قدمه في تركيبة الحقائب وتسمية الوزراء.
من المتوقع ان يعتذر اديب عن التكليف بعد التشاور مع رئيس الجمهورية، واذا لم يكن ذلك في لقاء اليوم الاربعاء فغداً ، خصوصاً اذا لم يطرأ تدخل فرنسي لانقاذ المبادرة والحكومة قبل الوصول الى هذا القرار الذي يعني عملياً انتهاء المبادرة الفرنسية ، والدخول في مرحلة جديدة من الغموض.