بدت بيروت باضطرابها مساء امس كانها تعكس الاضطراب المتعدد الاتجاه الذي يتحكم بالواقع الداخلي سواء في ما يتصل بتداعيات الانتشار الوبائي الواسع والخطير الذي املى اللجوء مجددا الى الاقفال العام الذي يبدأ اليوم لأسبوعين عله يخفض المنحنيات والعدادات التي تسجل أرقاما قياسية في الإصابات، او في ما يتصل بالواقع السياسي والشديد التأزم الذي يبدو من المشكوك ان تحدث مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل اختراقا جادا في جداره. ففي حين كانت بيروت تختنق بزحمة طوابير المغادرين الى مناطقهم عشية بدء سريان الاقفال العام اليوم، كانت الازمة السياسية لا تقل اختناقا عن مشهد الخط الساحلي على اوتوتستراد بيروت جونية شمالا او الخط الساحلي على أوتوستراد بيروت خلدة جنوبا.
وبعد مئة يوم على الكارثة الوطنية التي تمثلت في انفجار مرفأ بيروت، مئة يوم من التحقيقات بمشاركة خبرات دولية مهمة، ورغم ذلك لا وضوح بعد ولا محاسبة ولا عدالة”… كعادته اختصر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش إجرام الطبقة الحاكمة بتغريدة. كلمة حق في وجه سلطة جائرة قالها كوبيتش بُعيد اجتماعه برئيس الجمهورية ميشال عون مستعرضاً وإياه ملف الترسيم البحري مع إسرائيل، وكذلك المبعوث الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل لم يتردد في تحميل عون مسؤولية أساسية في عرقلة التأليف والإصلاح، متوجهاً إليه حين التقاه بالقول، “أنتم مسؤولون ونحملكم مسؤولية عدم تشكيل الحكومة بعد”، مضيفاً، “نريد مساعدتكم لكن عليكم أن تساعدوا أنفسكم، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فلن تروا لا مساعدات ولا حتى كيس طحين”.
أما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي أعادت السفيرة الأميركية دوروثي شاي الإضاءة أمس على كونه منغمساً في علاقة مع “حزب الله” تقوم على أساس تغطية الأول لسلاح الثاني مقابل تغطية الثاني لفساد الأول، فخاض في حوار مطوّل أمس مع المبعوث الفرنسي وحاول جاهداً التمظهر أمامه بصورة المسهّل لتأليف الحكومة على أساس مبدأ “وحدة المعايير”، غير أنّ دوريل لم تنطلِ عليه خدعة ”المعايير” وبادر إلى الرد بوضوح ودون أدنى مواربة على طرح باسيل بالقول: “مسألة المعايير هذه تخفي شروطاً تضعونها لتوزير الموالين والمحاسيب في الحكومة”.
ونقل عن دوريل تشديده أمام باسيل على أنّ “المعيار بالنسبة لتعيين الوزراء يجب أن يكون اختصاصهم وليس انتماءهم الحزبي والسياسي”، اضافة إلى أنّ باريس من خلال كلام موفدها الرئاسي أبدت تصميمها على عدم مجاراة الأطراف السياسية في لعبة تشكيل الحكومة التي باتت أشبه بـ”سباق السعادين”.