الأثنين 20 شوال 1445 ﻫ - 29 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

امنعوا الوصاية قبل استفحال شرها

مع نقل وكالة “إرنا” الإيرانية عن الرئيس الإيراني حسن روحاني تأكيده خلال اجتماع مع اللجنة الاقتصادية في طهران الأحد، نية الأميركيين رفع العقوبات عن طهران، بعد أن كان أعلن الخميس الفائت خلال تدشينه مشاريع نفطية، التوصلَ في فيينا إلى اتفاق تُرفع بموجبه العقوبات الرئيسية عن إيران، وأن “الحديث الآن عن القضايا الجزئية والتفصيلية”.

وبعد التجديد “المسرحي” لحاكم قصر المهاجرين في دمشق، الذي أعقبه بدايات مبشرة بشرور عودة القبضة الأمنية السورية على لبنان، التي مثل إحدى مراحلها الاستعراض الاستفزازي التحريضي للحزب القومي السوري الاجتماعي الذي أطلقت خلاله تهديدات بقتل رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع (هتاف “طار راسك يا بشير، وجايي دورك يا سمير”)، والذي كان جُلُّ ما لفت اهتمامَ وزير الداخلية محمد فهمي فيه تبريرَه في بيان سببَ منحه رخصة لأحد فرعَي الحزب دون الآخر متجاهلًا خطورة ما أطلق فيه من أقوال.

ومع انطلاق التحضير لصبغ جو البلاد من جديد بصبغة الوصاية، الذي كانت باكورته تعرُّض جعجع لهجومات مركّزة متعددة المصدر والاتجاه، كانت بدايتها قبل “القومي” مع العونيين، الذين استهجن منهم عضو المجلس السياسي في “التيار الوطني الحر” غسان عطاالله في حديث لصحيفة خليجية شهيرة “همجية التعاطي مع ناخبين سوريين متوجهين للتعبير عن آرائهم”، متهمًا جعجع بأنه “عديم الرؤية السياسية منذ 40 عاماً، ولطالما حمّلَنا تبعات رهاناته الخاسرة ظناً أنه بذلك يشكل زعامة”، متناسيًا انعدام الرؤية الأعظم لدى مؤسس تياره الرئيس ميشال عون حينما أراد يومًا “تكسير رأس حافظ الأسد” فكسّر برهاناته الخاسرة لبنان على رؤوس أبنائه، كما اقترح عطاالله إعطاء السوريين بطاقات عمل إذا أرادوا البقاء، وكأنّ بقاءهم مطلب للتيار العوني لغاية في نفس يعقوب لما يَحِنْ بعدُ وقت قضائها.

ومع انتشار فيديو عبر مواقع التواصل يُظهر مجموعة ملثمة من شبان بكامل عتادهم الحربي يحملون أعلام فلسطين ويوجه أحدهم تهديداً مباشراً “إلى جعجع وأعوانه باسم الشعب الفلسطيني ومخيمات الشتات ومخيم البداوي هنا، ردًّا على حرق أطفال الرجل الاسرائيلي الأول الصهيوني سمير جعجع علمَ فلسطين”، ويضيف: “لن ننسى جرائمك في شعبنا، وكما حرقتم علمنا سنحرق علمكم”، ثم قاموا بحرق علم “القوات”… ليسارع حزب “القوات” المخضرم سياسيًّا بعدها إلى محاصرة قضية حرق العلم الفلسطيني بنشر تسجيل صوتي لنائبه في تكتل “الجمهورية القوية” وهبة قاطيشا يعتذر فيه من الفلسطينيين عن إحراق علم بلادهم على أوتوستراد نهر الكلب، قائلًا: “اطلعت من رئيس رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج على امتعاض الفلسطينيين من إحراق علم بلادهم، وكنتُ سمعتُ أخباراً عن إحراق أعلام القوات داخل مخيمات فلسطينية في الشمال، وأؤكد أننا نحن ضد إحراق العلم الفلسطيني لأنه يمثّل قضية إنسانية نحترمها ونتعاطف معها، كما أننا ضد إحراق العلم السوري، فهو ليس ملكاً للنظام بل للشعب السوري الذي يضمّ المعارضة السورية أيضًا، ويبدو أن الذي أحرق علم فلسطين ظنّه علمَ سوريا”، وأكد قاطيشا: “أنا أؤيد تمزيق صور بشار الأسد، لكن لا أؤيد حرق الأعلام”. وأضاف: “لم تشارك القوات بالتحركات وحدها، وقد أرسلتُ التسجيل الصوتيّ للشيخ بناء على طلبه، بهدف درء الفتنة”. وتابع: “بعد هذا التسجيل تلقيت مكالمات من فعاليات أكدت لي عدم صحة أخبار إحراق أعلام القوات، وحرصها على وأد الفتنة، وهو كلام طيب سيتقرر بعده إلغاء أي نشاط ممكن أن يمس بالعلاقات اللبنانية – الفلسطينية”…

مع كل ذلك، أكد جعجع في حديثٍ للصحيفة الخليجية ذاتها أن الحملة التي تشن على القوات “ظالمة”، فهي تطالب دومًا بمساعدة اللاجئين بصرف النظر عن “استغلال بقايا المخابرات السورية وبعض الأحزاب الموالية لها وجود هؤلاء لتحوّله أداة سياسية”، وتابع متسائلًا: “اللاجئ لديه حقوق إنسانية كاملة لا حقوق سياسية، فمَن يؤيد بشار الأسد بالتصويت لا يشكل النظام خطراً عليه، فماذا يفعل في لبنان؟”، رافضًا “تحريك لاجئين لأهداف أبعد ما تكون عن مبادئنا وعن السيادة اللبنانية”.

حزب “القوات” لم يترك تهديد رئيسه من دون رد، بل أشارت دائرته الإعلامية في بيان إلى أنه “بدلًا من أن يتّعظ هذا الحزب من جريمة قتل الرئيس بشير الجميل، يواصل التباهي بإرهابه، الأمر الذي يدفعنا الى طلب سحب الترخيص منه انطلاقًا من عدم اعترافه بلبنان كيانًا مستقلًّا، وإجرامِه المثبَت بالصوت والصورة. أمّا ما يتعلّق بـ جايي دورك يا سمير فطويلة على رقبتكم ورقبة يلي أكبر منكن ورقبة يلي بيشدّ عا مشدكن بالداخل والخارج، فقد حاولتم هذا مرات ومرات أنتم وأسيادكم ومشغلوكم وبعض أجهزة المخابرات العربية التي تعملون لديها، وآخرها في 4 نيسان 2012 ومنيتم بالفشل، وسنتقدّم بدعوى على مسؤولي احتفالكم وكلّ مَن ثبُت نباحه وشنهقته ومجاهرته بالقتل أمام وسائل الإعلام كلّها، فلا يمكن مجتمعًا أن يقوم وفي ثناياه عملاء وخونة وقاتلون ومجرمون”.

الحزب القومي قام سريعًا بالرد على بيان “القوات” ببيان مضاد ذخر بنبش الماضي وتميز بلهجة “تملّصية” مما فعله مهددو جعجع جاء فيه: “تنمّ عبارات بيان القوّات السّوقيّة عن أخلاق تلك الجهة، الّتي اشتهر رئيسها بقتل الأبرياء على الهويّة، والاغتيالات، وتفجير الكنائس، والتّعامل مع إسرائيل، على خلفيّة هتاف ضدّه لم يطلَق في العرض الرّسميّ ولم تصوّره أو تنشره عمدة الإعلام في الحزب، بل صدر من مجموعة أثناء مغادرتها الاحتفال وصُوِّر بهاتف أحد الموجودين بشكل عفويّ”.

غيرَ موفقة كانت، ونحسب أن لن يُكتب لها التوفيق في المستقبل، مشهدية محاولة إعادة النظام السوري “زجَّ” نفسه في يوميات اللبنانيين، مستغلًّا سماح الدول المؤثرة في الساحة السورية لرئيسه بالبقاء في سدة الحكم، وقرب إقفال الملف الأميركي-الإيراني في جنيف، فحَسِبَ خطوته هذه ستكون ذات وقع عنيف على اللبنانيين، فإذا به يُصدم: اللاجئون السوريون المغلوب على أمرهم، الذين أنفق المال والوقت والجهد لترهيبهم وترغيبهم وإعدادهم للحظة “الاستعراض الانتخابي”، وجدوا في “الهجوم” على المواكب سانحة للتملص فعادوا أدراجهم على الفور، فإذا بنسبة المقترعين فضيحة حقيقية: 3.5 في المئة من مجمل أعداد السوريين في لبنان، فجُن جنون النظام أمام الضربة التي وُجهت إلى مشروعه في مهده، ليبدأ بتحريض أتباعه في الداخل على القوات ورئيسها.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ولم نكن لنسأله لولا انعكاسه المباشر علينا في لبنان هو: هل سيعمد النظام الأرعن في سوريا على تنفيذ ما كان هدد به السوريين إذا لم ينتخبوا وإبطال جوازات سفرهم وهوياتهم ومنعهم من دخول سوريا، في خطوة انتقامية أولًا وللتهرب من المطالب الواسعة بعودتهم إبعد أن ثبت ولاؤهم له، وبالتالي سيكونون مصيبة على لبنان، الذي لن يستطيع حتى تسفيرهم إلى دولة ثالثة، أم أن هذا النظام “سيركب معه السنّ الأعوج” كما يقال بالعامية ويصر على إكمال مشوار تحقيق الحلم البائد بالسيطرة من جديد على لبنان؟ وكيف السبيل إلى ردع هذا النظام عن أحلامه “الهمايونية”؟

سأل أحد الحكماء رجلًا: “إذا نبحك كلب جارك فماذا تفعل؟”، قال: “أزجره”، فسأله: “فإذا نبحك أخرى؟”، قال: “أزجره”، قال: “فإذا نبحك الثالثةَ؟” قال: “أزجره”، فقال الحكيم عندها: “إن أمر ذلك إذًا يطول، بل عليك بصاحبه يكفِكَ أمرَه”. وصاحب النظام السوري اليوم ومالك أمره والقادر على زجره هي الدولة الروسية، فما على اللبنانيين سوى الطلب من الروس كفَّ النظام السوري عنهم يكفونهم أمرَه.