الأثنين 20 شوال 1445 ﻫ - 29 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

تصعيد إسرائيل ونجاح الملف النووي.. أيهما أسبق؟

على رغم تأكيد الممثل السامي للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قبيل بدء مباحثات وزراء خارجية الاتحاد صباح الإثنين في بروكسل للاستماع إلى عرض من وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لنتائج زيارته لبنان، التي اختتمها بوصف الأوضاع فيه بـ”الانتحار الجماعي”، أن “بعض الدول الأوروبية قلقة للغاية إزاء التدهور الحاصل في لبنان”، وأنه عبّر لوزير الخارجية اللبناني شربل وهبة الأحد عن أسفه لعدم تحسن الأوضاع.

ورغم نقْلِ قناة خليجية شهيرة عن دبلوماسي أوروبي أن “قسم العمل الخارجي الأوروبي وزّع على أعضائه ورقة خيارات تشمل إلى جانب الحوافز في حال توصُّل لبنان إلى حكومة إصلاحات، عدم استبعاد خيار العقوبات”، وهو ما كان هدد به لودريان إذا استمرت حال المراوحة قائلًا إن العقوبات “يمكن أن تستكمل بأدوات ضغط متاحة لدى الاتحاد الأوروبي”…

لا بوادر في لبنان على أن حكومة الرئيس المكلف سعد الحريري سوف تبصر النور قريبًا، مع إصرار الطبقة السياسية على إفشال المبادرةَ الفرنسية التي تنص على محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين وإجراء الإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، ولم يفلح التأييد اللفظي الذي حظي به الحريري خلال جولاته في روسيا وفرنسا ومصر والإمارات وقطر، إضافة إلى التأييد الأميركي، في إزالة العراقيل التي يضعها رئيس الجمهورية في درب تشكيلها.

تكليف الحريري كان حاجةً لزمرة “المافيا – الميليشيا” عند افتضاح أمرها على رؤوس الأشهاد، وكشف تسبُّب تحالفها البغيض بكل مشاكل لبنان واللبنانيين، ظنًّا منها بأنه سيكون حصانها الرابح أمام المجتمع الدولي، وستبذل الزمرة أقصى الجهد لثنيه عن الاعتذار والإبقاء على صورة “التكليف” وإنْ عقيمًا مرفوعةً في وجه الخارج. ولكن… هل يملك خيارُ الاعتذار حظًّا من الواقعية؟ الغالب أنه لن يحصل بقرار ذاتي للحريري، بل بتسويات إقليمية-عربية وإقليمية-دولية تترامى أخبارها اليوم من محاور جنيف وبغداد ودمشق، ومن شأن نجاحها بمباركة أميركية استيلاد حل للأزمة اللبنانية تسير فيه جميع القوى الفاعلة على الأرض، ومن ضمنهم فرنسا، التي ستكون مضطرة أمام الطمع في الاستفادة من ملف النفط إلى نسيان مقولتَي “الأم الحنون” و”العلاقات التاريخية” اللتين باتتا في حكم الطوباويتين.

السؤال الملح هو: هل تسير المفاوضات السالفة الذكر كـ”دوكما” في التوصل إلى حلول لجميع الملفات التي يتم البحث في شأنها، كملفات ساحات لبنان ودمشق وبغداد واليمن والملف النووي، أم أن النجاح في جنيف حول الملف النووي الإيراني سيكون جائزة للأميركيين… وهل سيؤدي نجاح التسويات إلى فرض شخصيات لا تحوز رضى حزب الله، كنواف سلام على سبيل المثال؟

الراجح أن الإيرانيين، وهم طرف أساسي في المفاوضات، سيستميتون هذه المرة من أجل ملء سلة الأميركيين بالبيض، والخروج من جنيف بحل يرضيهم والأميركيين في الملف النووي، لأجل الحصول على “دلّة” بلاد العم سام في باقي الساحات، وأنهم سيستنكفون عما سيُطلب منهم من ممارسة ضغط كاف على حزب الله لتسهيل مهمة الرئيس المكلف الجديد ومنحه سلطة كافية للنجاح في مهماته الجسام، لأنها تدرك تمامًا “البير وغطاه” كما يقال، وتعلم تمام العلم أن نجاحه يعني بشكل مطَّرد كشف فساد منظومة “المافيا والميليشيا”، وهو ما لن يُسمح به على الإطلاق، ما يرجِّح أن تسود المراوحةُ القاتلة مرحلةَ ما بعد الاعتذار مع حكومة تصريف الاعمال الحالية، التي سيتم اللجوء إلى بدعة ما يسمى “تعويمها” كسبًا للوقت. ولكن كيف ستستطيع هذه الحكومة معالجة التداعيات التي تطلبت تكليف الحريري والتي لا تزال في عز عنفوانها، وأهمها فقدان السيولة والتضخم والأزمة المعيشية الخانقة؟

ويبدو في هذا المضمار، أن فرنسا قد اقتربت كثيرًا من مرحلة الاقتناع بأنها باتت طرفًا غير فاعل على الأرض اللبنانية، بعد أن بذل رئيسها ورأس دبلوماسيتها جهودًا جبارة لتقريب وجهات النظر دونما جدوى، ما أدى إلى اللقاء “غير الودي” بين الأخير والرئاستين الأولى والثانية، و”غير المريح” مع الحريري إلى درجة مساواته بالمعطّلين.

سؤال آخر يطرح نفسه: أين إسرائيل من كل ما يحدث من تحسن غير مسبوق في تاريخ العلاقات الأميركية الإيرانية؟؟؟ وهل سترضى بأن تحتل إيران، بعد الخدمات الجلى التي قدمتها إلى المصالح الأميركية في المنطقة، مكانةَ “الطفل المدلل” لدى الإدارة الأميركية بدلًا منها؟ يبدو أن الجواب هو لا، فقد بدأ الجيش الإسرائيلي الأحد (رغم أحداث غزة والقدس واستمرار قصف أهداف الميليشيات الإيرانية في سوريا ومن ضمنها حزب الله) أكبر مناورة في تاريخه تحاكي حربًا شاملة ضد “حزب الله” وحركة “حماس” تدوم شهرًا، بالتزامن مع وصْف قائد المنطقة الشمالية الإسرائيلي اللواء أمير برعام في خطابٍ إلى اللبنانيين حالةَ حزب الله في لبنان بـ”الاحتلال الإيراني”، وحملةِ المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عبر الإعلام، التي تضمنت “ترجيحات بأن القرار العسكري بمعالجة مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله قد يأتي قريبًا”، ورسالة الجيش الإسرائيلي في صحيفة “هآرتس”، وفيها أنه بات لدى الحزب “أكثر من مئة صاروخ دقيق في لبنان، ومصانع تجميع تحوّل الصواريخ “الغبية” إلى ذكية ودقيقة بمدى 100 كلم وقدرة إصابة بمدى انحراف أمتار قليلة، وهي جهود تشكل لإسرائيل سببًا كافيًا لهجوم”، وكذلك نشر مركز “ألما للبحوث والتعليم” الإسرائيلي، فيديو جديداً عن ترسانة الحزب الصاروخية في لبنان، والمواقع التفصيلية للصواريخ على كامل التراب اللبناني (6 مواقع في الجنوب، 32 موقعاً في بيروت، مصانع لمكونات الصواريخ الموجهة وصورايخ سكود جاهزة وأنظمة دفاع جوي روسية متطورة في البقاع)، وذلك بعد تقرير سابق للمركز عن أن الغارة الجوية في شمال غرب سوريا (وقعت الأربعاء 5 أيار على بلدتَي الحفة شرق اللاذقية ومصياف في محافظة حماة بحسب “سانا”) “استهدفت في تقديرنا مشروع الصواريخ الدقيقة والأسلحة المرتبطة بحزب الله”.

رد حزب الله اليتيم على التصريحات الإسرائيلية جاء من أمينه حسن نصر الله في يوم القدس وجاء فيه: “نحن سنكون حذرين ابتداء من الأحد، ونحذر إسرائيل من أي تفكير للمس بقواعد الاشتباك في لبنان”، مع إعلانه حال استنفار غير مسبوقة منذ حرب تموز 2006.

فهل ستسبق الجهود الإسرائيلية الثلاثية الهدف (تدمير ترسانة حزب الله – إبعاد إيران عن الحظوة الأميركية – وإفشال محادثات جنيف) مسار التفاوض الأميركي الإيراني في جنيف أم العكس؟