الأثنين 20 شوال 1445 ﻫ - 29 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

حقوق الإنسان السوري على مذبح مصلحة إسرائيل

مع اشتباك مجموعات لبنانية ظهر الخميس الفائت في مناطق عدة مع مواكب لسوريين من حاملي صفة “لاجئين” متوجهين لتأدية دورهم في مسرحية الاقتراع لـ”مهجِّرهم” حاكم قصر المهاجرين بشار الأسد، وسقوط عدد من الجرحى من الطرفين وقتيل سوري بسكتة قلبية في طريق عام سعدنايل، التي شهدت توزيع لبنانيين وسوريين معارضين مناشير تحمل صوراً مشوهة للأسد ومذيَّلة بعبارات “ارحل شو نسيت” و”انتخبوا الجزار” و”لا للأسد”، فيما شهدت جونية ونهر الكلب والأشرفية وغيرها إحراقًا للأعلام السورية وتكسيرًا لسيارات المقترعين…

كيف تُفسَّر ظاهرة “غرام الضحية بجلّادها” التي طالعتنا بها وسائل الإعلام؟ ولماذا كان انتقال السوريين إلى مبنى السفارة مشفوعًا بمظاهر أقل ما يقال فيها إنها “استفزازية” لمعظم اللبنانيين الذين لا يزال المئاتُ منهم يقبعون في سجون نظام الطاغية مجرم العصر، وبعضهم منذ ثلاثة عقود ونيّف، مثل رفع صور بشار وإذاعة الأناشيد المؤيدة له بصوت مرتفع وإطلاق أبواق السيارات؟ أوليس الهتاف باسم بشار وفداؤه “بالروح بالدم” شاهدين كالشمس على انتفاء صفة الخوف على النفس عن هؤلاء الملازمة حتمًا لصفة اللجوء، ويحق لمن يطالبهم بالعودة إلى بلادهم أن يفعل؟ ولماذا لم يصوت هؤلاء في بلادهم التي هي على مرمى حجر؟ وبغض النظر عن المشهد الظاهر من هذه “العراضات” السورية، هل يُجمَل كل من شارك فيها ويوضَع في الكفة ذاتها، أم أن فيها متسلطين ومغلوبًا على أمرهم؟

في ظل الوضع المعيشي والاقتصادي الصعب الذي يعيشه اللبنانيون، يتمتع السوريون في لبنان بظروف معيشية أكثر من “ممتازة”، فهم يحوزون معظم فرص العمل الدنيا، إن إفراديًّا أو جماعيًّا أو على مستوى تشغيل معظم المحلات الصغيرة في لبنان، كما أنهم يتقاضون من الأمم المتحدة مبالغ شهرية عن أنفسهم وعن كل فرد من عائلاتهم بـ”الفريش دولار” الأميركي فيما اموال اللبنانيين في المصارف منهوبة… وعلى رغم هذا هم يعيشون القلق على المصير، فالأزمة السورية وإن طال زمانها لا بد من أن تجد طريقها إلى الحل يومًا، وبالتالي يسكنهم هاجس إيجاد موضع لهم في سوريا المستقبلية ولو على حساب مبادئهم التي هُجِّروا بسببها، وبالتالي فقد تم إخضاعهم تدريجيًّا بأساليب مختلفة، فبعد أن وُضعوا في غياهب النسيان سنين طويلة من قبل سلطات بلادهم وسفارتها ها هم يُدعَون اليوم لانتخاب من هجّرهم وقتل أبناءهم، وها هم يلبّون الدعوة أفواجًا أفواجًا، منقسمين ثلاث فئات:

واحدة تضم رجالات كانوا واستمروا ولا يزالون منذ بداية الحرب السورية في 2011 وانتقالهم إلى الأراضي اللبنانية حتى يومنا هذا من رجالات النظام المخلصين، وفئة تعرضت للترهيب إذا لم تنتخب بحرمانها من دخول سوريا، ووصمها بالانتماء لجماعات إرهابية، وبسحب أوراقها الثبوتية أو حرق مخيمات لجوئها، أو اعتقال أقارب لها في الداخل السوري، وحتى بالاعتقال والترحيل إلى سورية بحجة عدم امتلاك أوراق إقامة قانونية، كما وبالطرد من المناطق المؤيدة للنظام أو منعها من العمل فيها… وغيرها من أساليب الترهيب القذرة التي اشتُهر بها النظام السوري، وفئة ثالثة رضيت طائعة بالانتخاب أمام وسائل الترغيب من السلطات السورية واللبنانية على السواء، وكذلك من فئات حزبية مدعومة من “حزب الله” والنظام، مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي، والحزب الديموقراطي اللبناني العربي التابع للمجرم الفار المطلوب للسلطات لارتكابه جريمة تفجير المسجدين في طرابلس رفعت عيد، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والمركز الوطني في الشمال التابع لكمال الخير… وغيرها، زارت العائلات وعقدت لقاءات مع قادة عشائر سوريين، وقدمت مساعدات مالية وعينية، ووعودًا بوظائف، وبتسوية الأوضاع في الدوائر اللبنانية أمنيًّا، وتيسير المصالح في الداخل اللبناني، وبتسهيلات أمنية لبعضهم، ودعمهم وتبييض صفحتهم في سورية… كل هذا وسط صمت مطبق من جزء من السلطة اللبنانية الرسمية على هذه الممارسات غير القانونية، وربما بتشجيع من بعضها، مثل رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، الذي كان أعرب خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، بعد أن بات مهمشًا ومعزولًا في الداخل اللبناني ومنبوذا ومعاقبًا أميركيًّا وعلى وشك وضعه قريبًا على لائحة العقوبات الأوروبية، عن دعمه رئيس النظام السوري، معتبرًا أن تثبيته “عامل مسرِّع ومشجع على عودة اللاجئين”، في محاولة “استدراج عروض” أراد بها إدخال الأسد في معادلة “الدَّين والوفاء” لدعمه نحو رئاسة الجمهورية اللبنانية.

ورغم تصاعد الأصوات “الشعبية” في لبنان غير الرسمي بوجوب إعادة المقترعين إلى بلادهم بعد انتفاء أسباب بقائهم، فإن تصويت هؤلاء لم يجد مفاعيله السلبية لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي استمرت في اعتبار قرارهم “شخصيًّ ولا يؤثر في المساعدات الإنسانية أو الحماية المقدمة إليهم”.

فهل وعود “نكراتٍ” مأمورين من النظام السوري لشعب مهجر بالعودة إن هم اقترعوا كافية فعلًا في وجه تشريعات النظام ذاته قوانين خلال فترة تهجيرهم تكرس عمليًّا رفض عودتهم، كالإعلان القائل إن “الصفة السورية لا ترتبط بمن يحمل الجنسية بل بمن يدافع عن سوريا”، ما يعني عمليًّا التمهيد لإعلان نزع الجنسية عن نحو نصف سكان سوريا بعد أن يعاد انتخاب الطاغية، غير عابئ بكل الوعود التي قطعها بالنسبة إلى عقد مؤتمر دولي لتنظيم العودة على أساس بيان جنيف 2012 أو مؤتمر آستانة والقرارات الدولية ذات الصلة؟

فهل وراء أكمة إبقاء الدول المؤثرة في الصراع السوري على الأسد ما وراءها من حفظ أدنى حقوق الأكثرية السورية المهجَّرة، أم أن مشوار “ظلم” هؤلاء مستمر على مذبح الانحياز المطلق إلى إسرائيل التي لن تجد حافظًا لحدودها أفضل من الأسد، الذي كان عام 2010 (عشية اندلاع الحرب الأهلية السورية) على وشك التوصل إلى اتفاق نهائي مع الدولة العبرية وَضَعَ مسودته المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا (بين 2009 و2011) فردريك هوف ونشرته صحيفة خليجية شهيرة، ويتضمن موافقة الأسد خلال اجتماع معه دام 50 دقيقة على قطع العلاقات العسكرية مع إيران و”حزب الله” و”حماس” وتحييد جميع التهديدات الناشئة من سوريا ضد إسرائيل، مقابل استعادة مرتفعات الجولان حتى خط حزيران 1967، وتأكيد هوف أن نتنياهو أوعز باستكمال الاتفاق عندما علم بموافقة الأسد، لكن الحرب السورية جمدت إعلان الاتفاق.

كما كشف وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري في مذكراته عن “رسالة سلام” مع إسرائيل كتبها الأسد عام 2010 إلى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، تتضمن موافقته على السلام مقابل استعادة هضبة الجولان، وأنه عرضها على نتنياهو الذي فوجئ بحجم تنازلات الأسد الكبيرة مقارنة بالمفاوضات السابقة. وصرح كيري لمجلة “نيويوركر” بأن الأسد اقترح بناء سفارة في إسرائيل مقابل مساعدات اقتصادية وإنشاء خط أنابيب نفط يصل سوريا بالعراق، ودعمًا تكنولوجيًا، وأن نتانياهو رفض هذا المقترح.

اشتدي أزمةُ تنفرجي، فالصبرَ الصبرَ يا أبناء سوريا.