الأثنين 20 شوال 1445 ﻫ - 29 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

خطأ "الرسالة" بعد خطأ "الاتهام بالبداوة"

بعد هروب رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الأمام بتدبيجه رسالته حول التكليف والتشكيل ومدته إلى مجلس النواب وطلب مناقشتها في الهيئة العامة، إثر خطأ -بل “خطيئة”- اتهام من سُمّي زورًا “وزير خارجية لبنان” السعوديين بأنهم “بدو”، وما رافقها من تأييد عارم للسعودية جعل منزل السفير السعودي في لبنان محجة المعتذرين، منطلِقًا (عون) من “شبه إجماع” المحلّلين على استبعاد انتقال حرب غزة إلى لبنان مع سعي جميع الأطراف الدوليين والإقليميين حثيثًا لإغلاقها، تبيَّنَ لكل لكل ذي بصيرة أنها لم تكن سوى مناورةٍ تلك التسريباتُ عنه قبل أيام الموحية بإيجابية في الملف الحكومي تمثلت بإبدائه الاستعداد لتسهيل مهمة الرئيس المكلف سعد الحريري ورفض فكرة اعتذاره، وأنها حين فشلت في “جلب” الحريري من دون كلام واضح أبلج من عون حول الثلث المعطل (أس المشكل وجوهره بين الرجلين) حاول برسالته ايجاد طريقة دستورية للتملص من تكليف الحريري، متهمًا إياه بـ”العجز عن تأليف حكومة ولا يزال يأسر التأليف بعد التكليف ويؤبّده، متجاهلاً كلّ مهلة معقولة”، مضيفًا أن “لا محال من عدالة توزيع الحقائب بما يحاكي التمثيل الشعبي، وعدم السماح بالإقصاء أو الاحتكار”، معتبرًا أن الرئيس المكلف “يصرّ على عدم التقدّم بتشكيلة تحظى بثقة مجلس النواب، وينقطع عن الاستشارات مع الكتل ورئيس الجمهوريّة”. وطلبت الرسالة من البرلمان “اتخاذ الإجراء المناسب لتسهيل تأليف الحكومة التي طال انتظارها، وهو أمر متاح بتخلي الرئيس المكلّف عن مقولة أنّه ʼيُشكّلʻ ورئيس الجمهورية ʼيُصدرʻ المرسوم، في حين أنّ مواد الدستور تدل على اختصاص صريح لرئيس الجمهورية في استيلاد الحكومات ʼبالاتفاقʻ مع الرئيس المكلّف”. وشُفعت رسالة عون بدعوة أطلقها تكتل “لبنان القوي” النيابي “إلى التعاطي بمسؤولية مع الكتاب حرصاً على إيجاد مخرج لأزمة النظام التي نعيشها”.

وفيما كان رد فعل الرئيس الحريري تغريدة عبر تويتر وصف فيها رسالة عون بأنها “إمعان في سياسة قلب الحقائق والهروب إلى الأمام والتغطية على الفضيحة الدبلوماسية العنصرية لوزير خارجية العهد تجاه الأشقاء في الخليج العربي”، واعدًا بأن” للحديث صلة في البرلمان”، أكدت أوساط “تيار المستقبل” لصحيفة خليجية، أن “الرئيس المكلف لن يعتذر”، وأن “سحب التكليف منه غير ممكن، ما يوجب على رئيس الجمهورية المبادرة لإزالة العقبات من أمام الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة”. ولكن…

كيف يهجم رئيس الجمهورية على أمر كهذا، ولو من باب “قل كلمتك وامش”، مع إدراكه الأكيد الفشل المسبق لاقتراحه سحب تكليف الحريري، وأن أكثرية نيابية ستصوت ضده (نواب “المستقبل” و”القوات” و”الثنائي الشيعي” مضافًا إليهم نواب “المردة”)، وبالتالي يعرّض نفسه لمهانةِ ردِّ طلبٍ شخصي، ناهيك بإضافة فشل جديد إلى عدّاد بات منهَكًا في إحصاء الكثرة الكاثرة من أخطاء هذا العهد؟ وكيف يُسلم رقبته لما يمكن اعتباره فخًّا لُبِّس صفةَ “الدستورية” من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وليس خافيًا ما بين الرجلين من فقدان قديم للود، هدفُه نزْعُ -لمرة وللأبد- فكرة عزل الرئيس المكلف من بال الرئيس وإفهامُه أن الحريري بات قدره، وبالتالي تتحول هذه الرسالة غير ذات مفاعيل وعاملًا في مزيد من الانقسام والشرخ السياسي وفي تعقيد الأمور بدلاً من حلحلتها في وجه العهد، الذي سيلجأ بالتالي، لما عُرف عن صاحبه في الثمانينيات من عناد عبثي عقيم، إلى إبقاء مصير الحكومة الجديدة وما تعد به من فتح باب المساعدات الدولية في مهب رياح الغيب المفتوح على المجهول.

ولقد أعجبني كثيرًا بعض ما قاله أحد السعوديين على “فايسبوك” بعد اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات على كلام وزير العهد عن البدو والبداوة، فقد عقد مقارنة بسيطة ولكنها غنية ومعبّرة جدًّا بين من يوصفون بـ”البدو” وبين اللبنانيين وما وصلوا إليه في ظل “العهد القوي”.

قال هذا السعودي إن “بلاد البدو” كما وصفها وهبي هي اليوم عضو في مجموعة العشرين الاقتصادية الكبرى في العالم (G20) فيما لبنان لا يزال يتخبط في مشكلة النفايات ولا يستطيع حلها.

في “بلاد البدو” يجدد المواطن هويته ورخصة سيارته وجواز سفره وهو في قعر بيته عبر تطبيق “بدوي” اسمه “أبشر” لا يستطيع لبنان صناعة مثله ولو بعد زمن بعيد.

في “بلاد البدو” هناك دكتور يسمى عبد الله الربيعة قام بفصل 47 توأمًا سياميًّا من أكثر من 17 جنسية مجانًا لوجه الله على حساب “حكومة البدو” في وقت لم تقم بلادهم أنفسها بعلاجهم أو التكفل بهم.

في “بلاد البدو” أكثر من 400 ألف لبناني يعيشون “على رأسنا، يعيشون معززين مكرمين غير عاطلين” كما قال، في وقت لا يستطيع لبنان ليس حل مشكلة البطالة فحسب بل حتى مشكلة المواد الغذائية حين كان شعب لبنان يتضارب في وقت كورونا على الخبز.

في “بلاد البدو” تجاوز الطموح العيش الكريم، لأنه شيء أساسي فيها، إلى إدارة “أقوى رجل” (يُظهر لدى قوله هذا صورةَ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان) الاقتصاد الأقوى في العالم “من خيمته البدوية” كما قال، في وقت لم يستطع الحكم في لبنان حل مشكلة انقطاع الكهرباء المتكرر.

وختم الرجل بالقول: “من ظن الإساءة باتهامنا بالبدو فوالله ما هي بالإساءة، بل رفعة رأس لنا، فلقد أثبت البدو أنهم أفضل بكثير من بلاد الناس الذين ليسوا بدوًا”.

فهل في كلامه عبرة وعظة لقوم يتعظون؟