الأثنين 20 شوال 1445 ﻫ - 29 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

شيا أسقطت صفة قندهار فهل تستكملها بتنمية في طرابلس؟

(الأربعاء 9 كانون الأول 2020)، (الجمعة 11 كانون الأول 2020)، (الخميس 1 نيسان 2021)، (الجمعة 14 أيار 2021)، أربعة تواريخ لا يفصل بينها سوى خمسة أشهر شهدت خلالها عاصمة لبنان الثانية طرابلس أربع زيارات مهمة، ثلاث منها لسفيرة الولايات المتحدة في لبنان دوروثي شيا، والرابعة لسفيرة فرنسا آن غريو.

قد لا يبدو حدثُ زيارة سفير معتمد في لبنان مدينةً فيه لافتًا، إلا أن اللافت فيه هذه المرة: تكراره ثلاثًا من سفيرة في مدة قياسية، وعدم قيام هذه السفيرة بأمر مشابه لمدينة لبنانية بذاتها من قبل، والأهم أنه جاء بعد أن نَعَقَت أبواق موتورة ومأجورة ومغرضة في الداخل طويلًا باتهام المدينة بالتطرف والأصولية والإرهاب.

مرفأ طرابلس، درة تاج المدينة وبداية طريقها نحو الانتعاش الاقتصادي بات نقطة استقطابٍ للدول الأجنبية بعد إهمال متكرر ومتمادٍ من دولته، فقد عاد عليه بالخير العميم استنفارُه جهوده الأقصى لمساندة شقيقه المتعثر والمنكوب في بيروت بعد نكبة 4 آب، إضافة إلى انتعاشه بإغلاق الدولتين السورية والتركية حدودهما المشتركة منذ سنوات، ما ساق إليه غالبية البواخر التي تحتاج حمولتها إلى التخزين، وسلط اهتمام السفراء الأجانب والعرب إليها للاطلاع على حاجاتها، وكان أهمهم سفيرتَي فرنسا آن غريو وأميركا دوروثي شيا.

تميزت جولة غريو الأخيرة في المدينة، بعد أكثر من زيارة سابقة، بتخصيصها طرابلس ومؤسساتها حصرًا بالمساعدات، حين أعلنت في مطلع آذار 2021 عن تقديم مساعدة بقيمة 1.1 مليون يورو لسكان طرابلس وجوارها تولت منظمات أهلية توزيعها على شكل معونات غذائية لـ20 ألف عائلة لمدة 6 أشهر. وإثر زيارة غريو الخميس 10 كانون الأول 2020 قائمقام مفتي المدينة الشيخ محمد إمام، زارت الجمعة 11 منه مع وفد من السفارة كلًّا من مرفأ طرابلس وغرفة التجارة والصناعة والزراعة فيها، وكان في استقبالها مدير المرفأ أحمد تامر، ورئيس المنطقة الاقتصادية حسان ضناوي، ورئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة توفيق دبوسي، ورئيس مجلس ادارة الشركة المشغلة لمحطة الحاويات في المرفأ “غلفتينر” (Gulftainer) أنطوان عماطوري، والرئيس الإقليمي لشركة CMA CGM الفرنسية جو دقاق.

غريو أكدت للمسؤولين دعمها “أي استثمار فرنسي في المرفأ والمنطقة الاقتصادية، نظرًا لأهميتهما الاستراتيجية، واستعدادها لتقديم اي مساعدة من المرافق الفرنسية”، كما قدم عماطوري لغريو شرحًا عن “أهمية الشراكة والتعاون بين شركته وCMA CGM”.

الاستجابة الفرنسية لم تتأخر كثيرًا، والأمل معقود على ترجمة الوعود الأميركية، فبعد حوالى الشهر من زيارة غريو شهد مرفأ طرابلس تطورًا فائق الأهمية، تمثل بتدشين شركة CMA CGM (بتوجيه ورضى من الحكومة الفرنسية) خطّين بحريَّيْن جديدين جاء في بيان لإدارة المرفأ أن CMA CGM “اعتَمَدت مرفأَ طرابلس ابتداء من شهر شباط المقبل (الماضي) محطةً أساسية لخطين بحريين لسفنها في شرق المتوسط”، وهذان الخطان هما (وفق البيان):

Med Express – يمر بموانئ: حمد (قطر) — جبل علي (الإمارات) — كاراتشي (باكستان) — نهافاشافا (الهند) — كسندرا (الهند) — جدة (السعودية) — طرابلس (لبنان) — بارايوس (اليونان) — مالطا، جنوى (إيطاليا).
Megam – يمرّ بموانئ: جبل علي (الإمارات) — حمد (قطر) — الدمام (السعودية) — الجبيل (السعودية) — جدة (السعودية) — بورسعيد (مصر) — طرابلس (لبنان) — مرسين (تركيا).

وأشار بيان إدارة المرفأ إلى أنّ “الخطين سيعتمدان مرفأ طرابلس لخدمات البضائع المحلية والمسافنة، ليرتفع معهما معدل سفن الحاويات الشهري في المرفأ من 12 الى 22 سفينة”، مؤكدًا أنّ اعتماد الخطين “دليل ساطع على الثقة الكبيرة للشركات العالمية بخدماتنا المتطورة”. وأكد تامر أنّ “مرفأ طرابلس يتجه ابتداء من هذه السنة بتمويل من البنك الاسلامي للتنمية، إلى أن يكون من أهم المرافئ اللوجستية في شرق المتوسط”.

أما السفيرة شيا، فقد أتبعت زيارتها الأولى إلى غرفة التجارة والصناعة في 10 كانون الأول 2020، بزيارتين متتاليتين، الثانية في 1 نيسان 2021 إلى المرفأ، والثالثة في 14 أيار الجاري إلى دار العجزة ومجموعة مؤسسات اجتماعية، حيث استمعت لشرح مفصل من تامر عن القرض الاسلامي بقيمة 86 مليون دولار وكيفية استخدامه لتحويل المرفق إلى مرفأ ذكي وإنشاء البنى التحتية اللازمة، كما أبدت اهتمام بلادها بالمرفأ والمنطقة الاقتصادية الخاصة في حرمه، مؤكدة خلال حفل غداء على شرفها أن “المرفأ سيكون على جدول الأعمال الأميركي، خصوصا أنه بعيد من نفوذ حزب الله وإيران، ويمكن ضبط حركته ومنع أي تهريب يمكن أن يحصل من خلاله”.

وإلى الاهتمام الفرنسي والأميركي بالمدينة، قامت موانئ دبي وجبل علي، بالتعاون مع السفير الإماراتي السابق حمد الشامسي، بالاطلاع على وضع المرفأ، واعدة بتعاون مع غرفة التجارة والصناعة في طرابلس للاستثمار في مرفأ دولي ومطار ذكي ومنصة غاز ونفط، إضافة الى معالجة مشكلة التلوث الناتج عن جبل النفايات بأحدث الطرق العلمية، الأمر الذي من شأنه أن يعيد طرابلس الى الخارطة السياحية، ولكنْ لم يتقدم الإماراتيون حتى اليوم بأي عرض. ويترافق الاستعداد الإماراتي مع سعي سعودي عبر مؤسسة الملك سلمان عبدالعزيز لوضع برنامج يتضمن سلسلة مساعدات لطرابلس.

هذا وتثور أسئلة كثيرة من الطرابلسيين وأبناء الشمال عمومًا، على رغم ارتياحهم الباطن لمساهمة زيارات السفيرة شيا إلى مدينتهم في قسط كبير من تجريد وصمة قندهار عنها، عن سبب بطء اندفاعة الأميركيين في الاستثمار الفعلي لمرافق عاصمة الشمال وعدم إعطائهم أي وعود حتى الآن في هذا المضمار، على الرغم من التحركات اللوجستية الكثيرة على الأرض، ويتساءلون هل أنها لمجرد الاستطلاع وجس النبض تلمّسًا لفرص حقيقية تتمثل برؤية جهد كبير وجدّي من أبناء المدينة لتقديم مشاريع متكاملة قابلة للتحقيق يكون مشفوعًا بالإلحاح والمثابرة، ما يمنح الطرف الأميركي خصوصًا والسعودي والإماراتي والخليجي عمومًا الثقة ويدفعه إلى الإقدام على الاستثمار.

ولما كانت الدول ليست منظمة خيرية بل تبحث عن مصالحها، يبدو أن التحركين الأميركي والفرنسي كانا بهدف إيجاد فرص للاستثمار في مرافق طرابلس الواعدة، فلا بأس، و”نيال من أفاد واستفاد”، فهل يتلقف الطرابلسيون، واللبنانيون عمومًا، فرص الانفتاح الغربي على طرابلس ويلاقوه بمشاريع واعدة، فتتحقق آمال الشعب الذي طال حرمانه كثيرًا وملَّ الوعود ولم يعد يعوّل عليها كثيرًا؟ الأمر معقود بناصية أبناء المدينة للخروج من الكابوس الطويل، وما فاز إلا الجسور.

فلننتظر ونرَ، وإن غدًا لناظره قريب.