الأثنين 20 شوال 1445 ﻫ - 29 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

ضربة نتنياهو هل تكون بـ"الأسلحة غير التقليدية"

لافتًا كان التصريحُ العالي التشدد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال تعيينه ديفيد برنياع رئيسًا جديدًا للموساد، بأن المهمة الأولى لجهازه هي “منع إيران من امتلاك أسلحة نووية”، وقوله –في ما يشبه التهديد المبطن- لـ”صديقتنا الولايات المتحدة” إثر إبدائه التقدير لها، إنه “قد يطرأ وضعٌ يصبح هدفنا النهائي فيه اتخاذ قرارات شجاعة ومستقلة وضمانَ ألا يضع الملالي حدًّا لوجود الشعب اليهودي”، موضحًا أن “تل أبيب لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي سواء تم التوصل إلى اتفاق أو لا”، داعيًا الموساد بكلام شديد الوضوح إلى “تدمير آلات الدمار التي يملكها أعداء إسرائيل”.

فهل يحتاج سامع هذا الخطاب إلى كثير جهد لاستشفاف أن استقلال قرارات نتنياهو الوراد في الخطاب ما هو إلا عن الإرادة الأميركية؟ أو أن ما عناه بقوله “اتفاق” ليس سوى ذاك الذي قد يتمخض عن المحادثات الأميركية-الإيرانية حول الملف النووي الإيراني الدائرة حاليًّا في جنيف؟ أو أن “آلات الدمار” الواردة على لسانه ليست إلا مفاعلا بوشهر وآراك النوويان ومنشأتا التخصيب في ناتانز وفوردو في إيران؟

أفلا يُبنى على الاستشفاف المذكور أن إسرائيل، في أحدث جولة من صراعها المستمر والدؤوب والعنيف منذ اغتصابها فلسطين للقضاء في المهد على أي احتمال لبروز ساحة أخرى في المنطقة تزيحها عن عرش تفرّدها بامتلاك التكنولوجيا النووية، التي بدأت برنامج تطويرها في خمسينيات القرن العشرين (بعد وقت قصير من تأسيسها)، تتجه اليوم -استمرارًا لتحقيق هذا الهدف- نحو تكرار سيناريو ضربات وجّهتها في التاريخ القريب ضد مشاريع نووية عربية وإسلامية ناشئة انطلاقًا من “عقيدةَ بيغن” القاضية بالضربات الوقائية في المراحل المبكرة، عبر توجيهها ضربة جديدة نحو المنشآت الإيرانية السالفة الذكر؟

في حزيران 1981، نفذت 8 طائرات حربية إسرائيلية متطورة عملية “أوبرا” لتدمير مفاعل تموز النووي العراقي جنوب شرق بغداد، الذي أقيم بمساعدة فرنسية ورأت فيه إسرائيل حينها تهديدًا وجوديًّا، كما نفذ سلاح الجو الإسرائيلي في أيلول 2007 “عملية البستان” التي استهدفت مفاعلًا نوويًّا سوريًّا في منطقة الكُبر بمحافظة دير الزور زعمت إسرائيل أنه كان قريبًا من الإنجاز بمساعدة من كوريا الشمالية، معتبرة إياه أيضًا “تهديدًا لوجودها”، وشهد العام 2020 العديد من التحذيرات الإسرائيلية من تمكين المملكة العربية السعودية من إنشاء مشروع نووي سلمي، واعتبرت ذلك مقدمة لا تبشر بخير لإسرائيل، لأن من شأنه إثارة تطلعات مزيد من الدول العربية والإسلامية لمحاكاتها، مع الخشية من ذهاب هذه المشاريع نحو التوجهات العسكرية في المستقبل، كما كانت أبدت في 2017 القلق من الاستخدام العسكري المحتمل ذاته تجاه دولة الإمارات العربية وإنتاج الأخيرة مشروعًا نوويًّا مدنيًّا بمساعدة كوريا الجنوبية لإنتاج الكهرباء.

ولم تكتف إسرائيل بالحجر، بل استهدفت العلماء النوويين العرب والمسلمين والعقول المدبرة لأي جهد عربي أو إسلامي للحصول على السلاح النووي، فاغتالت عالم الذرة المصري يحيى المَشَدّ في باريس عام 1980، وهو أحد رواد برنامج العراق النووي، وبعد الاحتلال الأميركي للعراق في 2003، اغتال الموساد بالتواطؤ مع عناصر عراقية وعربية محلية عشرات العلماء العراقيين في تخصصات الذرّة والبيولوجيا، ممن انخرطوا مبكرًا في المشاريع التسليحية لبلادهم، وخصوصًا السلاح النووي.

أما إيران، فقد كثفت إسرائيل ضرباتها الاستخباراتية وشبه العسكرية والإلكترونية والاغتيالية نحوها خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، شعورًا منها بأنها باتت متأخرة عن تطبيق “عقيدة بيغن” القاضية بالضربات الاستباقية لمشاريع لا تزال طرية العود، وبأن حالة إيران النووية المتقدمة باتت تتطلب استنفارًا إسرائيليًّا على أعلى المستويات، فكثفت هجوماتها ضد المنشآت النووية الإيرانية، وتمثل أخطرها في السطو على أرشيف إيران النووي (أواخر كانون الثاني 2018)، واغتيال العديد من علمائها النوويين (انظر لاحقًا)، وتنفيذ هجمات سيبرانية إلكترونية ضد المفاعلات النووية المنتشرة في عدد من المدن الإيرانية، كان آخرها على منشأة ناتانز (أعلنت عنه إيران في 18 نيسان 2021)، تسبب بحريق و”انفجار صغير” في قسم توزيع الكهرباء في المنشأة بعد يوم واحد من إعلان الرئيس حسن روحاني البدء بضخ غاز اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزي. وكان سبق لإسرائيل أن استهدفت ناتانز في 2010 عندما استخدمت فيروس “ستاكسنت” الإلكتروني (Stuxnet) ودمرت عبره ألف جهاز طرد مركزي.

وإضافة إلى ناتانز، وقع انفجار قرب قاعدة بارشين العسكرية (26 حزيران 2020) التي كانت موضع خلاف حول تفتيشها مع منظمة الطاقة الذرية الدولية.

ومنذ أن بدأ الاستهداف الإسرائيلي للمشروع النووي الإيراني، ركزت العمليات الإسرائيلية على اغتيال العلماء النوويين في قلب طهران، فاغتيل ستة منهم، وخرج سابع من محاولة اغتياله بجروح خطرة:

1- أردشير حسين بور (بدأت إسرائيل مسلسل اغتيالاتها في إيران به، عالم نووي وأستاذ في الفيزياء وخبير في الكهرومغناطيسية، أُحيطت ظروف موته في منتصف كانون الثاني 2007 بالغموض، وبعد إشارة معهد “ستراتفور” الاستخباري الأميركي في 2 شباط 2007 -بعد حوالى نصف الشهر من اغتياله- عن مصدر قريب من استخبارات الاحتلال الإسرائيلي، إلى تسميمه إشعاعيًّا من “الموساد”، وأن الرجل كان على قائمة الاستهداف منذ زمن، نفت السلطات في طهران ذلك، بعد أن أخّرت الإعلان عن وفاته ستة أيام، في محاولة لتأكيد صلابة جبهتها الأمنية، وخصوصًا أن العملية كانت الاختراق الخطير الأول).

2- مسعود علي محمدي (أستاذ فيزياء، قُتل في تفجير دراجة نارية أمام منزله في كانون الثاني 2010، اعترف مجيد جمالي فيشي بتلقيه تدريبات لدى الموساد للقيام بالاغتيال مقابل 120 ألف دولار، وأُعدم في 2012 في طهران)،
3- مجيد شهرياري (أستاذ محاضر في الفيزياء في مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية، قُتل في كانون الثاني 2010 في انفجار سيارة ملغومة في طهران).

4- فريدون عباسي دوائي (ناجٍ) (أستاذ فيزياء نووية، نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال في اليوم ذاته لاغتيال مجيد شهرياري عندما انفجرت قنبلة ملصقة مغناطيسيًّا تحت مقعده في سيارته، لكنه خرج بإصابات بالغة).

5- داريوش رضائي نجاد (دكتور في الفيزياء النووية، قُتل في تموز 2010 في طهران بالرصاص من مهاجمين على دراجات نارية).

6- مصطفى أحمدي روشن (مهندس فيزيائي نووي، عامل في مركز تخصيب اليورانيوم في ناتانز، قُتل في كانون الثاني 2012 بانفجار قنبلة ملصوقة مغناطيسيًّا تحت مقعده في سيارته، اتهمت مجلة “تايم” الأمريكية في 13 يناير 2012 إسرائيل بالاغتيال وبكل الاغتيالات التي استهدفت الفيزيائيين النوويين الإيرانيين)،

7- محسن فخري زاده (رئيس وكالة البحث والابتكار التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية وأحد الأسماء البارزة في برنامج إيران للصواريخ الباليستية وضابط في الحرس الثوري الإيراني، تأخر اغتياله عن زملائه السابقين، إذ اغتيل في نوفمبر 2020 بمهاجمة عناصر مسلحة سيارته في طهران، كان اسمه الوحيد الذي ذكره نتنياهو خلال تعرضه للبرنامج النووي الإيراني في أيار 2018).

وإذا كانت الضربات الإسرائيلية السابقة قد أجهزت على المشاريع النووية حديثة الولادة المستهدفة، فهل يذهب نتنياهو أمام حالة إيران النووية المتقدمة في التباين مع الإدارة الجديدة للرئيس الديمقراطي جو بايدن وسياسة حزبه التقليدية “العصا والجزرة” القاضية بـ”التلويح بالقوة من دون استعمالها بالتزامن مع اتباع سياسة الاحتواء”، وهي سياسة تلقى معارضة شديدة من إسرائيل التي تفضل سياسة “العصا الغليظة والعقوبات” التي اتبعها الرئيس السابق دونالد ترمب، إلى عملية منفردة ونوعية تستهدف المنشآت الإيرانية لإجبار إيران بالضغط والإكراه على توقيع الاتفاق النووي لمصلحة الأمن الإسرائيلي المطلق، ما قد يقلب الأوضاع في المنطقة رأسًا على عقب ويعكر صفو العلاقات الأميركية-الإسرائيلية، ولا نبالغ بالقول إنه قد يهدد الأمن والسلم الدوليين؟

في حرب 1973 المجيدة، التي أذلت إسرائيل وحطمت للمرة الأولى كذبة “الجيش الذي لا يقهر”، هددت رئيسة وزراء العدو غولدا مائير باستخدام “الأسلحة غير التقليدية” إذا لم يتوقف الجيشان المصري والسوري عن هجوميهما، فهل تعود هذه الأسلحة اليوم تطبيقًا تكتيًّا منزوعَ خاصيةِ “الدمار الشامل” على الساحة الإيرانية وليس تهديدًا فقط؟

لننتظر ونر، وإن غدًا لناظره قريب.