الأثنين 20 شوال 1445 ﻫ - 29 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

مآزق الحريري المتناسلة

الحريري في مأزق، فتواصله مع القيادة السعودية العليا شبه مقطوع منذ استقالته الشهيرة من الرياض قبل نحو ثلاث سنين ونصف (في 4 تشرين الثاني 2017)، على رغم شمول جولاته المكوكية على الدول العربية والأجنبية منذ تكليفه في 22 تشرين الأول 2020، كلًّا من الإمارات وقطر، وهي جولات هدفت وفق الحريري إلى فك عزلة لبنان وتحضير ظروف دعمه اقتصاديًا وماليًا عند ولادة الحكومة، فقادة بلاد الحرمين كما يبدو لن يحددوا موعدًا كهذا قبل أن يشهدوا ولادة حكومة في لبنان لا تمثيل لحزب الله فيها، وهو ما كان وعد به الحريري الأميركيين والأوروبيين قبيل ترشحه، فيما اتجه بعيد ترشحه إلى مخالفة وعده بالتعهد للثنائي الشيعي بوزيرين “تكنوقراط” يرضى عنهما حزب الله، وبالموافقة على الهرطقة الدستورية العجيبة التي طلع بها رئيس مجلس النواب نبيه بري، المتمثلة بادعاء الحق الحصري للشيعة في وزارة المال بموجب اتفاق الطائق (!!!؟؟)، فقرر فض المشكل باختيار شيعي لوزارة المال يرضى عنه الرئيس نبيه بري، فأوقع نفسه في حرج مع القوى الداخلية، على رغم أن استقراء بسيطًا للوزراء الذي تعاقبوا على هذه الوزارة منذ اتفاق الطائف يثبت أن الشيعة من أصحاب النصيب الأقل في هذه الوزارة (شخصيتان شيعيتان تولتا الوزارة 6 مرات، 5 شخصيات سنية 11 مرة، و4 شخصيات مسيحية 4 مرات).

نعم، الحريري في مأزق، لأن سياسة الداعم الفرنسي، قبل أن تفتر العلاقة بين الطرفين، تسير من فشل إلى آخر في لبنان، ومبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إثر جريمة تفجير المرفأ وُلدت مبرّأة من كل عيب ليقوم واضعُها نفسه بتشويه مضمونها في اليوم التالي لولادتها مباشرة، إذ سارع بمجرد اعتراض مندوب حزب الله في قصر الصنوبر على بند الانتخابات النيابية المبكرة إلى سحبه من التداول، ناهيك في الأساس عن خطأ استدعاء حزب مصنف إرهابيًّا إلى الطاولة، حتى وصل الأمر بإيران أن تسفر أخيرًا عن رفضها الدور الفرنسي في لبنان، عبر عدم استنكارها كلام وزير خارجيتها محمّد جواد ظريف، الذي دعا فيه الرئيس الفرنسي إلى “عدم التّدخّل في شؤون لبنان الداخليّة”، كما أن موعد زيارة ماكرون السعودية، والموضوع اللبناني من أهم بنودها، ينتقل من تأجيل إلى آخر، إضافة إلى الشكوك في فاعلية العقوبات التي تنوي فرنسا فرضها على شخصيات من الصف الأول والثاني في لبنان بعد فشل زيارة وزير خارجيتها جان إيف لودريان إذا لم تنضم إليها دول الاتحاد الأوروبي، وهو أمر غير متوافر حتى الآن.

الحريري في مأزق لأن ميشال عون والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، اللذين يتربعان على رأس لائحة رجالات محور الممانعة في لبنان، يمتلكان من الإمكانات ما يخولهما عدم إطلاق الحكومة من عقالها إلا إذا كانت منزوعة الأظافر ومتحكَّمًا بها عبر الثلث المعطل وحيازة الوزارات المهمة، وإلا فالتعطيل القاتل هو بديل هذا المحور المعتاد والجاهز عند اشتداد أوار الأزمات السياسية في وجهه، كتعطيل رئيس مجلس النواب نبيه بري البرلمان سنتين، وتعطيل عون رئاسة الجمهورية سنتين ونصف، وهما لن يترددا لحظة في رمي الرئاسة الثالثة في أتون التعطيل سنين في حال اضطر الأمر، مستفيدين من المحادثات السعودية-السورية لتسوية الوضع السوري والنفوذ الإيراني في الإقليم، وكذا التفاوض الأميركي-الإيراني لتسوية الملف النووي وأوضاع المنطقة، ما سوف يضع الحريري بين فكي كماشة، فإما أن يتراجع عما يعلنه من مطالب لتشكيلها ويضيّع المواقف الصلبة التي يقفها منذ تكليفه في وجه الثلث المعطل واستباحة الوزارات المهمة، ناهيك عن إثارته نقمة شعبية عليه تكون هذه المرة أشد من ذي قبل، إذ يكون قد حفر في عقول الناس مطلِقًا “غول” ذكريات تنازلاته الكثيرة، وإما الإبقاء على المراوحة القاتلة للوطن والاقتصاد، ما قد يهدد بأسوأ العواقب الاجتماعية والأمنية.

عندما أوفد الرئيس عون مستشاره سليم جريصاتي إلى السفير السعودي في بيروت وليد البخاري لتوضيح ملابسات إساءة أحد ضيوف قناة OTV التلفزيونية للسعودية، تم في الجلسة تأكيد جريصاتي استعداد عون في حال تقوية الجيش اللبناني لإقرار استراتيجية دفاعية تحصر السلاح بيد السلطة، وأنه سيدعم أي رئيس للحكومة غير الحريري إذا كان مرضيّاً عنه سعودياً، وأن البخاري وعد جريصاتي بطرح الأمر على القيادة في الرياض، فهل يهلّ اليوم الذي يطابق فيه حسابُ “حقل” عون حسابَ “بيدر” الرياض؟

لننتظر ونر، وإن غدًا لناظره قريب.